إطار الدرس :
یعتبر مفهوم اللغة من بین أهم المفاهیم التي إنشغلت بها الفلسفة المعاصرة واللسانیات وكذلك بعض العلوم الإنسانیة مثل علم النفس اللغوي وعلم الاجتماع، وهكذا فإن مقاربتنا لهذا المفهوم ستخضع لمقاربة فلسفیة وأخرى علمیة .
I -من الدلالات إلى الإشكالیة : أ- الدلالة العامة : في هذه الدلالة ترتبط اللغة بالكلام إذ یقول عامة الناس فلان یتكلم
اللغة العربیة أو الفرنسیة... .
إذا تمعنا في هذا التعریف لن نستطیع التمییز بین اللغة والكلام. فهل اللغة هي الكلام، أم تتجاوزه إلى أشیاء أخرى ؟
هذا ما سنعرفه من خلال دلالتین اللغویة والفلسفیة . ب- الدلالة اللغویة : یقول إبن منضور عن اللغة "أصوات یعبر بها
قوم عن أغراضه لنحلل هذا التعریف : - یحصر هذا التعریف اللغة في الأصوات وهذا یعین أن الأصوات كلام، الشيء
الذي یجعل إبن منضور لایخرج عن الدلالة العامیة التي تربط اللغة بالكلام.
- إن إعتبار اللغة أصوات یجعلنا نطرح تساؤلین : - كیف یتواصل الحدوالیك إذا إختزلنا اللغة في الكلام والصوت .؟
- بمعنى آخر هل الأصوات هي الوسیلة الوحیدة للتواصل والتعبیر ؟ (الحیوانات لها أصوات، فهل معنى هذا أن لها لغة ؟ نضیف إلى هذه الاستنتاجات خلاصة أخرى ترتبط بالوظیفة النجیریة للغة، الشيء الذي یدفعنا إلى طرح التساؤل التالي :ألیست هناك وظائف أخرى للغة غیر التعبیر كمثل الإخفاء – الكذب... ؟
- یجعل التعریف السالف الذكر اللغة مرتبطة بقوم معین الشيء الذي یدفع إلى التساؤل إن كانت هناك لغة كونیة ؟
- یجعل التعریف السالف الذكر اللغة مرتبطة بقوم معین الشيء الذي یدفع إلى التساؤل إن كانت هناك لغة كونیة ؟
ج-الدلالة الفلسفیة : كل هذه الأمثلة السابقة تبین بوضوح المغالطات و التناقضات التي تقع فیها الدلالة اللغویة، مما یفرض
علینا الأنتقال إلى الدلالة الفلسفیة . – یقول لا لونك أن للغة معنیان، معنى خاص ومعنى عام. معنى خاص : وظیفة
التعبیر الكلامي عن الفكر داخلیا وخارجیا.
معنى عام ذلك وكل نسق من العلامات یمكن أن یتخذ وسیلة للتواصل".
إستنتاج : نستنتج من هذا التعریف أن اللغة بالمعنى الخاص تتقابل مع الكلام واللسان، باعتبار الكلام نوعا من اللغة ولیس كلها واللسان خاص بمجتمع معین، أما اللغة فهي مشتركة بین البشر.
من خلال هذه الاستنتاجات یمكن إستخلاص الإشكالیة الفلسفیة لدرس اللغة، نحملها على الشكل التالي : إذا كانت اللغة
حسب لا لند تعبر عن الفكر أفلا یمكن أن نقول العكس، أنها تؤدي إلى الأخطاء والكذب أكثر من الكشف والتعبیر ؟ ثم
ماهي علاقتها بالفكر والأشیاء (الواقع) ؟ وإذا كانت اللغة علامات صوتیة والحیوانات لها أصوات، فهل معنى ذلك أنها
تشترك مع الانسان في إمتلاك اللغة ؟ أم أن اللغة تبقى خاصیة إنسانیة ؟ ما طبیعة العلامة والرمز اللسانیات وما علاقتهما بالمعنى والدلالة ؟ هل اللغة تعبر عن الواقع أم عن الفكر ؟ وهل یمكن تصور فكر فإستقلال عن اللغة ؟ كیف تؤدي اللغة وظیفة التواصل ؟ .
I -اللغة الانسانیة واللغة الحیوانیة ؟
تحلیل نص "الكلام خاصیة للإنسان"
خطوات تحلیل النص الفلسفي :
مقدمة : وصف النص : من هو صاحبه – ماهو مصدره ؟
- ماهي المدرسة الفلسفیة التي یمثلها النص ؟ - ماهو موضوع النصب ؟ - ماهو الاشكال الذي یجب عنه النص ؟
عرض :
- ماهو الجواب أو الأطروحة التي یقدمها النص كجواب عن الاشكالیة (تصاغر الأطروحة بشكل مختصر سطرین على الأكثر). – شرح الأطروحة. – ماهي الحجج التي یدافع بها الفیلسوف عن أطروحته. – خلاصة للفقرة الأولى نستغلها في طرح تساؤل یمهد للمناقشة.
المناقشة : سنقدم في المناقشة المواقف والأطروحات الفلسفیة المعارضة.
خاتمة :
خلاصة تركیبیة بین الأطروحتین المقدمتین في العرض مثال تطبیقي :
(نص دیفارت الكلام خاصیة الإنسان)
مقدمة :
مثل هذا النص وجهة النظر العقلانیة حول إشكالیة اللغة الإنسانیة والحیوانیة، وقد إنطلق في هذا النص (كیارت) من
التساؤل التالي : هل یمكن إعتبار اللغة قاسما مشتركا بین الانسان و الحیوان ؟ بمعنى آخر هل الحیوان قادر عن الكلام
كما هو الشأن بالنسبة للإنسان. وإذا كان الجواب بالنفي فما الذي یفسر قدرة الإنسان على الكلام. هل یرجع ذلك إلى العقل
أم إلى الغریزة.
فرض :
- موقف دیكارت : لایخرج جواب دیكارت على هذه التساؤلات خارج إطار فلسفیة العقلانیة التي تجعل من العقل أساس
تصوره إشكالیة اللغة، وبناء علیه یؤكد دیكارت أن اللغة خاصیة تقتصر على الإنسان ولا وجود للغة بهذا المعنى لذى الحیوان، ویفسر دیكارت ذلك، أي قدرة الانسان على الكلام بإمتلاكه العقل مهما كانت درجة هذا العقل من البساطة، حتى
ولو كان هذا الإنسان یفتقر لجهاز النطق فإنه قادر على التعبیر والتواصل كما هو حال الصم والبكم. أما ما تردده بعض الحیوانات مثل للعقعق والببغاء من كلام فیعتبره دیكارت مجرد إنفعالات غریزیة و إستجابات آلیة لا تعكس وعیه بما یقول. وبالتالي فإن اللغة خاصة بالإنسان دونه والحیوان. وقد اعتمد دیكارت في دفاعه عن موقفه (أطروحته) هاته إعتمادا على منهجیة إستدلالیة أو حجاجیة تنبني على المقارنة
من الإنسان والحیوان فیها یتعلق بإشكالیة اللغة، وقد قدم في هذا الإطار مجموعة من الأمثلة المدعمة والموضحة لأطروحته (كالصم والبكم والعقعق والببغاء) كما وظف الروابط المنطقیة (هما – حنین وبالعكس ولكنها – أي في حین)
والهدف من كل هذا هو الوصول إلى الخلاصة التالیة وهي أن الكلام خاصیة إنسانیة فقط نظرا لإمتلاك الانسان للعقل.
- الموقف اللساني : ویؤثر هذا التصور الفلسفي نتائج الدراسات اللسانیة المعاصرة، إذ یؤكد Benveniste بناء على
دراسات العالم الألماني Frich V.C لأشكال التواصل لدى النحل حدد فیها ثلاث خصائص للغة الإنسانیة وهي :
- الإرتكاز على الصوت.
– تحرر العلامة أو الرمز من الموضوع الخارجي.
– قابلیة الكلام البشري للتفكیك إلى
وحداث لغویة وصوتیة دالة وأخرى غیر دالة قابلة للتألیف وإعادة التألیف إلى مالا نهایة.
وبناء على هذه الخاصیة الثالثة یستخلص :
خاصیة رابعة هي التمفصل المزدوج ولتوضیح هذه الخاصیة یمیز Martinet بین نوعین من الوحدات اللغویة.
أ- الشوینقان :
وهي وحدات لغویة دالة تقبل التجزئة إلى وحدات أصغر غیر دالة وهي ما یسمى بالكلمات (كوثر) .
ب- الفویمات :
وهي وحدات صوتیة غیر دالة لاتقبل التجزئة مثل الحروف ویتمثل التمفصل المزدوج في المثال التالي، ستذهب كوثر.
- المفصل الأول : وهو الذي یكون بین المونیمات والكلمات، وحینما نغیر موقع الكلمة أو حذفها ونستبدلها بأخرى بتغیر المعنى وهذا ما یسمى بالتألیف وإعادة التألیف بین المونیمات لإنتاج دلالات جدیدة : س + قد + ذهب + كوثر. نحذف كلمة ذهب ونستبدلها بكلمة أتى.
- المنفصل الثاني : وهو الذي یكون بین الحروف أو الفونسیان حیث إذا غیرنا مواقعنا داخل الكلمة (المونیمة) أو إذا
إستبدلناها بأخرى فتعطي معنى جدید مثل : كل ملك – لك.
خلاصة :
- هكذا یكون بمقدور الانسان أن ینتج مالا نهایة من العبارات والكلمات ومن تم من الدلالات والمعاني من عدد محدود من
الوحدات اللغویة البسیطة، وهذا ما یسمیه االله انیین. الاقتصاد اللغوي.
هذا ویعتبر kassirer أن العلامة والزمن نتاج للنشاط العقل الإنسان حیث یتخذها وسائط رمز یة تمثیلیة تربط بشكل غیر
مباشر بین الفكر والواقع. وتمكن الانسان من التحرر من سلطة الواقع المادي بواسطة ذلك النظام الرمزي الذي یتشكل من : علوم – فلسفات – بیانات – فنون – أساطیر... وهكذا یكون الانسان عبارة عن حیوان رامز لایدرك الواقع ولا یتواصل
مع الآخرین إلا من خلال أنساق رمزیة. وكلما تقدم هذا النسق الرمزي إلا وتوارى الواقع إلى الوراء لیعیش الانسان وجها
لوجه أمام الفكر كبعد آخر من أبعاد الواقع حیث یجد نفسه أمام نظام رمزي لا یحیل مباشرة على الواقع الخارجي، وإنما یحیل على تصور أو فكرة ذلك أن الأفكار هي العمل الطبیعیة للأشیاء، أما العلامات والرموز اللسانیة فهي علامات للأفكار، فكیف تنشأ الدلالة والمعنى ؟ كیف تنشأ الدلالة والرمز اللسانیات ؟ وماعلاقتهما بالأشیاء والموضوعات.
الرمز والعلامة
المحور الثالث : العلامة والرمز اللسانیات :
تحلیل نص Hegel
مقدمة :
یمثل النص الذي بین أیدینا وجهة النظر العقلانیة الجدلیة حول إشكالیة العلامة والرمز اللسانیات فما هي العلامة وماهو الرمز ؟ وما هو الفرق بینهما ؟ وما هي علاقتها بالأشیاء والفكر ؟ .
عرض :
نبطي هیكل في هذا النص معنیان للعلامة معنى عام حیث یكون للرمز والعلامة لنفس المعنى، ومعنى خاص حیث یكون
لهما معنیان متناقضان. وهذا یعتبر هیكل أن العلاقة بین الدال والمدلول في العلامة الخاصة هي علاقة إعتباطیة، نتیجة
المواضعة والاتفاق، فالعلاقة هنا غریبة وعرضیة إذ لیس هناك أي قاسم مشترك بین الدال والمدلول اللهم ما إصطلح علیه الناس. لكن في المقابل نجد أن العلاقة بین الدال والمدلول في العلامة الخاصة التي تكون الرمز هي علاقة طبیعیة فهي لیست علامة إعتباطیة ولا محایدة، بل إنهما یشتركان في بعض الخصائص مع أنهما یختلفان في أخرى، فتطابقهما لیس كاملا ولا تاما بل هو تطابق جزءي وإلا لما كان الرمز رمزا. وقد قسم هیكل نصه هذا إلى قسمین (فقرتین) تبتدأ الفقرة الأولى من بدایة النص الأمة مثلا، حاول من خلالها أن یحلل إشكالیة العلامة. أما الفقرة الثانیة فتبدأ من الأمر مختلف إلى نهایة النص تطرق فیها إلى إشكالیة الرمز.
وقد دافع عن موقفه من العلامة والرمز إعتمادا على أسلوب التمثیل حیث قدم مجموعة من الأمثلة الملموسة كالألوان التي تدل على أمة من الأمم أما في الرمز فقد قدم مثال الأسد والثعلب والدائرة موظفا في هذا الإطار أسلوب المقارنة والتقابل بین العلامة من جهة و الرمز من جهة أخرى، مستعملا مجموعة من الروابط المنطقیة مثل : غیر – بین – إنما – هكذا – ذلك... كما إستعمل أسلوب النفي لایتلان والاستثناء ولكن ..بل والتأكید إن وكذلك الاستنتاج وهكذا... وهكذا تنتهي مع
هیكل إلى أن العلامة إعتباطیة بینما الرمز علامة طبیعیة.
لكن هل یمكن إعتبار جمیع العلامات ذات بعد إعتباطي متفق علیه ؟ ألا نجد بعض العلامات تحاكي الطبیعیة مثل كلمة دقیق – حریر – نافذة...؟ .
في المقابل أطروحة هیكل حول العلامة یعتبر أفلاطون العلاقة بین الدال والمدلول طبیعیة ولیست إعتباطیة إذ یرى أن لكل
شيء علامة أو إسما منسوبا إلیه بصورة طبیعیة وأن هذا الإسم لیس مصدره الانفاق ولكن الطبیعة هي التي منحت
للأسماء معانیها، وأن كل شيء یأخذ إسمه من الطبیعة من خلال المحاكاة وتقلیدها، وأن المشرع الذي یستطیع محاكاة الطبیعة هو المؤهل في نظر هیكل لتجزئ الصورة في الحروف والمقاطع اللسانیة. وهكذا فإن الكلمات والأسماء تحاكي أصوات الطبیعة مثل حریر المیاه، لفیف الأشجار.
خاتمة :
في هذا النص نرى أن هناك علاقة تعارضیة بین هیكل و أفلاطون في إعطاء مفهوم العلامة والرمز فكل حسب مایراه، فهیكل یرى
أن العلامة لاترتبط بالطبیعة عكس أفلاطون الذي یراها محاكاة للطبیعة.
المحور الرابع : اللغة – الفكر – التواصل – السلطة :
تمهید :
من تطرق في هذا المحور إلى دراسة طبیعیة العلاقة بین اللغة والفكر من جهة والسلطة من جهة ثانیة، ثم وظائف اللغة،
فإذا علمنا أن لكل من اللغة والفكر طبیعتان متناقضتان فكیف یمكن الحدیث عن العلاقة بینهما ؟ بمعنى آخر ماهي طبیعة العلاقة بین اللغة والفكر ؟ هل هما منفصلان أم متصلان ؟ هل الفكر سابق عن اللغة مستقل عنها .؟ أم أنها أساسا الفكر ومنتجة ؟ .
د) الأطروحة المیتاویزیفیة :
تقول بأسبقیة الفكر عن اللغة واستقلاله عنها ویتبناها كل من أفلاطون – دیكارت – برحسون.
أ- موقف أفلاطون :
إذا كانت المعرفة حسب أفلاطون تذكر والجهل نسیان. فإن الأفكار تكون موجودة في أعماق النفس ینبغي فقط تذكرها بواسطة التأمل العقلي، وعلیه فاللغة حسب أفلاطون لاتصنع الفكر لأنه سابق في وجوده علیها وما ینبغي القیام به هو تذكر من أجل معرفته، فالفكر هنا صورة توجد في عالم المثل أما اللغة فهي في العالم نفسه عالم الحلال والأوهام.
ب- موقف دیكارت :
إنطلاقا من الكوجیطو "أنا أفكر إذا أنا موجود" یعتبر دیكارت الفكر جوهر روحي مستقل خاصیة الوحیدة هي التفكیر أما اللغة بإعتبارها أصوات فهي جوهر ممتد" ومن تم فاللغة والفكر حسب دیكارت من طبیعتین متناقضین هو روحي وهي مادیة وبالتالي فالفكر مستقل عن اللغة و منفصل عنها.
ج- موقف هنري برجسون.
یرى برجسون أن لغة العقل التي تقوم علما لتقسیم والتجزئ والقیاس والتكمین بتقي عاجزة عن التعبیر عن الفكر وإدارك
الأیمومة النفسیة التي لانفردها إلا بالحدس، خصوصا ما یتعلق بالتجارب الروحیة والاشراقات الصوفیة حیث تبدو هذه التجارب أغنى وأوسع من اللغة العادیة التي رغم أنها مكنت الانسان من السیطرة على الطبیعة وتحریره من سلطة الأشیاء فإنها تبقى في نطاق التجارب السطحیة في حالات الوعي والشعور.
2 -الأطروحة العلمیة (اللسانیة) :
على عكس التصور التقریبي لعلاقة اللغة بالفكر یعتبر هذا الفیلسوف أن الفكر بدون لغة لیس سوف كتلة عدیمة الشكل
غیر متمیزة لا فواحل فیها ولا وحدات، إنه لیس سوى غماء وشدید لیس فیه شيء محدد، وهو مضطر لكي یزول عن
عمائه إلى الاسقانة باللغة من أجل التمییز بین فكرتین ومعنیین بصورة واضحة. فاللغة هي التي تضع تقسیمات وتفصل
بین الوحدات لكي تتضح الأفكار وتتمایز. وهكذا لیس هناك فكر سابق عن اللغة ومنفصل عنها. ومن أجل البرهنة على
هذه الأطروحة قدم هذا الفیلسوف مجموعة من الأمثلة وقد شبهها بنسمة ریح هبت على صهریج ماء فادت إلى جعل سطح
الماء ینقسم إلى تقسیمات وتموجات، فهذه التموجات هي التي تعطینا فكرة عن علاقة اللغة بالفكر، كما قدم مثالا آخر شبه
فیه علاقة اللغة بالفكر بوجهي الورقة النقدیة، فالوجه هو الفكر والمظهر هو اللغة، ولا یمكن أن نحدث قطعا في وجه الورقة دون أن نقطع ظهرها في نفس الوقت. وهكذا لایمكن تصور فكر بمجزل عن اللغة بل هما متداخلات كل منهما محتوى الآخر.
تحلیل نص الفكر والكلام
مقدمة :
نعتبر النص الذي بین أیدینا أحد النماذج الفلسفیة، التي تحاول التفكیر في إشكالیة اللغة والفكر وطبیعة العلاقة التي
تجمعهما، من الناحیة الفینومونولوجیة، وبناء علیه یمكن طرح الإشكالیة التالیة :
- ماهي طبیعة العلاقة بین الكلام والفكر ؟ - هل یمكن أن یكون الكلام مجرد علامة للفكر ؟ سعنبي آخر هل یمكن أن نقبل أن تكون علاقة الكلام بالفكر علاقة إنفصال ألا یمكن على العكس من ذلك أن یكون الكلام هو جسد الفكر وحضوره ؟ .
عرض :
أ- التحلیل : یؤكد میرلوبونین في هذا النص أي علاقة اللغة بالفكر لا یمكن أن تكون إلا علاقة إتصال وإحتواء متبادل
لأنهما یتكونان في آن واحد، وهكذا فهو یرفض الموقف الكلاسیكي لعلاقة اللغة بالفكر، والذي یجعل الكلام مجرد علامة
منفصلة عن ماتدل علیه بمعنى آخر ینفي میرلوبونتي أن یكون الكلام مجرد لباس أو غلاف للفكر لأن الكلام هو جسد
الفكر وشعاره، فما یجعل الفكر یحصر إلى العالم الخارجي هذا الكلام إذ لا وجوج لفكر خارج الكلمات والعلامات. وحتى
التفكیر الصامت الذي قد یوحي بانفصال اللغة عن الفكر في نظره كلام مهموس وبالتالي فالفكر لیس داخلیا والكلام لیس
شیئا خارجیا بل إنهما مظهران لوحدة اللغة مع الفكر. وقد إتخذ النص أسلوبا حجاجیا سجالیا بین موقفین متقارضین الأول
یمثل التیار الكلاسیكي وهو الذي استهل به نصه ثم یتلوه مباشرة بموقفه الخاص مستعملا في ذلك مجموعة من الآلیات
الحجاجیة، تعتمد بالخصوص على النفي ألیس – فلا – لا یحتل أو الاستثناء (إلا) في محاولة الضغظ الموقف
الكلاسیكي. ثم تعتمد على آلیة التأكید للدفاع عن موقفه الخاص (إن – لابد- بل – خیران...) كما إستعمل المنطق
الشرطي دون أن ینسى توظیف تقنیة نفسه (الصمت صحیح الكلام) الاستبطان لملاحظة التفكیر الصامت الذي یبدو أنه
تفكیر لا یخلو من كلام ولو أن هذا الكلام غیر مسموع. وفي هذا الإطار یمكن إستحضار تصور اللسانیات المعاصرة ممثلة في رائدها دي سوسي الذي یشبه علاقة بل للغة بالفكر بوجهي الورقة النقدیة... أو یشبه علاقة اللغة بالفكر بعلاقة
الریاح بسطح الماء.
هذه الأمثلة تؤكد على إتحاد اللغة بالفكر بحیث لایمكن تصور فلیس بدون لغة. لكن ألا نجد في بعض الأحیان أن اللغة
عاجزة عن التعبیر عن الفكر ؟ ألیست الطبیعة متناقضة لكل من الكلام والفكر سببا في إنفصالهما ؟.
المناقشة :
نجیب عن السؤال الأول : یؤكد برجسون (للرجوع إلى الدرس) بینما یذهب دیكارت في نفس إتجاه برجسون بناء على تناقض خصائص كل من اللغة والفكر... .
اللغة والتواصل :
تمهید :
إذا كانت اللغة أداة للتعبیر عن الفكر فهي أیضا عنصر للتواصل الاجتماعي، فلا مجتمع بدون لغة، كما أنه لیس هناك
مجتمع بدون تواصل، فكیف یتحقق هذا التواصل ؟ هل في إطار من الوضوح والشفافیة ؟ أم أن عملیة التواصل هي عملیة
غیر بریئة یشوبها الكذب والاخفاء ؟ .
1 -أطروحة رومان جاكو بسون : نعتبر اللغة في النظریة التواصلیة لجاكوسیون أداة تبلیغ للمعرفة والأفكار والمشاعر
والمعلومات في إطار من الوضوح والشفافیة بشرط توفر العناصر التالیة : ا- السیاق 2 – المرسیل 3 – الرسالة 4–
المرستل إلیه إلا نضال السنن (اللسان المشترك) لكن هذه الوظیفة التواصلیة للغة باعتبارها علاقة نقل خبر أو معلومات
وأن هذه المعلومات هي بالتعریف تظهر على نحو صریح مكشوف أمام المتلقى قد أضحت موضع تساؤل من طرف اللسانیین أنفسهم فهل تكون اللغة أداة شفافة وبریئة تمكن من نقل الأخبار بهذا الوضوح والشفافیة ؟ ألا یمكن أن نقول العكس، أن اللغة أداة إخفاء وكتمان وكذب ؟ .
2 -أطروحة دیكرو : یرى دیكرو أن العلاقات بین الذوات لاترتد إلى التواصل بمعناه الضیق : وإنما تندرج تحت طائلة من
العلاقات البشریة لا یصبح فیها اللسان أداة تواصل فقط، وإنما إطار مؤسسا تقوم علیه تلك العلاقات، لایصبح اللسان
شرطا للحیاة الاجتماعیة فقط وإنما بمطالها، یحقد معها براءته، وشفافیته، هذا ما تؤكده التجربة الیومیة، ذلك أن اللغة لیست
وسیطا نریها وشفافا بین الدوان المتخاطبة بل كثیرا ما تنقلب إلى آلیة للإخفاء والكتمان، أو التظاهر بالإخفاء بواسطة آلیة
الاخصار، تتحول معها اللغة إلى قواعد لعب یومي لا بالمعنى السطحي للكلمة وإنما كاستراتیجیة یعتمد الحساب والتقدیر
المسبقین للنتائج، لایتحمل معها المتكلم مسؤولیة النطاق بها. تعود ضرورة الاخمار هذه في العلاقات الاجتماعیة إلى
مجموعة من المحرمات اللغویة والدینیة والاجتماعیة والثقافیة وإلى عوامل نفسیة لاشعوریة أو شعوریة، ولاتقف هذه الإكراهات عند هذا الحد بل هناك إكراهات وإلزامات أخرى تفرض سلطتها على المتكلم تسمى بالإكراهات اللسانیة فما هي هذه الاكر اهات ؟ وكیف تفرض اللغة تسیطرتها على المتكلم ؟ .
اللغة والسلطة :
أطروحات رولان بارت :
یرى رولان بارت أن كل إنسان هو عبارة عن تصنیف قمتي یتحدد بالالزام والاكراه والارغام أكثر مما یتحدد بالمستحسن
والمباح، وهكذا فالمتكلم ملزم باحترام قواعد معینة، ملزم باستعمال إما المذكر أو المؤنث : بدل المحاید، ملزم بتمییز ذاته
عن الغیر باستعمال ضمیر المخاطب أنت أو أنتم، وهكذا فالفرد لایتكلم حسب إدارته ولكن سبقا لما تریده وتحدده القوانین
اللسانیة، لذلك تتجاوز اللغة في نظر رولات بارت وظیفة التبلیغ والتواصل لتصبح أداة للسلطة و الایضاح والارغام، الشيء
الذي جعل بارن یصرح بأن اللسان ذلك لأن الفایشي لیس هي الحیلولة دون الكلام وإنما الارغام علیه، وعلیه یعتقد
رولان بارت أنه ما أن ینطق الانسان حتى ینخرط في خدمة سلطة معینة، التي تجبر الأفراد على إنتاج خطابات تبعا
لقواعد محددة سلفا ( ) .
وهكذا یمیز I. R بین نمطین من السلطة في اللغة، تجعل المتكلم سیدا وعبدا في نفس الوقت، سید من حیث الطابع
الالكاتي التوكیلي للغة الذي تجعله ینصت ما یقوله. وعبدا من حیث الطابع القطیعي للتكرار. الذي ینزع إلى جعل الانمات تابعا وفردا في القطع یعتبر الكلمات والألفاظ التي ینطق بها في مجتمعه. هكذا نخلص مع رولان بارت أن لا حریة إلا خارج اللغة، وبما أن اللغة لا خارج لها فلا محیل لنا عنها إلا عن طریق المستحیل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق